بقلم: شرف حسان – رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي.
لجنة متابعة قضايا التربية والتعليم العربي هي إحدى المؤسسات الوطنية الهامة للجماهير العربية في البلاد. أقيمت هذه اللجنة في العام 1984 واستمرت في نشاطها لغاية يومنا هذا متحدية جميع الصعوبات التي واجهتها وتواجهها في مسيرتها. استطاعت اللجنة خوض نضال طويل وقاس حققت من خلاله إنجازات مطلبية هامة لجهاز التربية والتعليم في مدننا وقرانا العربية مع الإشارة الى ان الفجوات بين التعليم العربي واليهودي ما زالت كبيرة. وعليه يجب استغلال كافة الفرص المتاحة لتحصيل الميزانيات وتصعيد النضال لتحقيق كامل الحقوق المتعلقة باحتياجات التعليم العربي. كما وساهمت اللجنة في وضع موضوع الهوية الفلسطينية واحتياجات جماهيرنا العربية المتعلقة بمضامين التربية والتعليم على جدول أعمالنا كمجتمع وقامت ببلورة أهداف التعليم العربي والتغييرات البنيوية التي نريدها وصياغة ورؤيتنا ومطالبنا في نضالنا مقابل السلطة. هذه المطالب التي تحظى بتأييد كبير في مجتمعنا. لم تكتف اللجنة بصياغة المطالب، بل قامت ببناء مؤسسات هامة كالمجلس التربوي العربي ودعم ورعاية مؤسسات وجمعيات مختلفة تعنى بالتعليم خصوصاً في بداياتها.
إن قضية التربية والتعليم هي إحدى القضايا الاستراتيجية الهامة، إذا لم تكن الأهم، في واقعنا كأقلية قومية في هذه الدولة ومركب أساس للتطور والبقاء في وطننا الذي لا وطن لنا سواه. من هنا وجب علينا العمل على تطويره والنهوض به إلى أعلى المستويات. لقد بذلت اللجنة جهوداً كبيرة في محاولة لإقناع السلطة بقبول مطالب الجماهير العربية المتعلقة بالاستقلالية التربوية والمضامين المرتبطة بالهوية الفلسطينية ولكن كانت تصطدم دائما، وبدون علاقة لمن يجلس في الحكم، بجدار رافض لهذه المطالب. وأعتقد ان تجربة اللجنة مع “لجنة دوبرات” في منتصف العقد الماضي وتجربة اللجان المشتركة مع وزارة التربية والتعليم في فترة الوزيرة يولي تمير تثبت صعوبة تحقيق هذه المطالب في ظل نظام المواطنة المتبع في دولة تعرف نفسها على أنها دولة يهودية وفي ظل الوضع السياسي الراهن في البلاد والمنطقة والعالم.
نهضة تربوية تتطلب إحداث تغيير في الوعي وبناء قوة وحصانة مجتمعية
وضع التعليم العربي هو ليس بمعزل عن الوضع السياسي العام. وعلى ضوء المعطيات الاجتماعية والسياسية الحالية، ممكن الافتراض أن تغييرات جوهرية على المستوى السياسي البنيوي لن تحدث في السنوات القريبة القادمة ولذا وجب علينا بلورة استراتيجية نضالية شاملة في المجال التربوي للمرحلة القادمة لمواجهة هذا الواقع السياسي وتحدياته لتحقيق أهداف التعليم العربي وحقوقنا العادلة في مجال التربية والتعليم. استراتيجية تعتمد بالأساس على تطوير العمل داخل مجتمعنا بغية إحداث تغيير في الوعي وبناء قوة وحصانة مجتمعية لفرض التغيير الذي نريد في الواقع. انا على ثقة تامة بالطاقات والامكانات والقدرات الهائلة في مجتمعنا التواقة لإحداث نقلة نوعية في عمل مؤسساتنا وأخذ مسؤولية على وضعنا والمساهمة الفعالة في دعم مسيرة البناء.
هذه الاستراتيجية ليست بديلة لاستمرار النضال اليومي لنيل حقوقنا ولكن تفترض أن إحداث تغيير في وعي جميع الأطراف الشريكة في العملية التربوية وبناء القوة لدى هذه الأطراف من شأنه أن يقوي نضالنا وموقفنا مقابل السلطة. كما ويساهم ذلك في معالجة المشاكل الذاتية المتعلقة بنا كمجتمع والتي تشكل عائقاً أمام تقدم التعليم العربي. استراتيجية كهذه يجب ان تكون امتداد لاستراتيجية نضالية شاملة لنا كجماهير عربية في جميع المجالات. فواقع التربية والتعليم هو صورة مصغرة عن وضع مجتمعنا عموماً. واحداث تغيير في مجال معين يتطلب تغييرات في مجالات أخرى.
تتطلب هذه الاستراتيجية العمل المنهجي مع عدة أطراف داخل مجتمعنا، أهمها:
– المعلمون والتربويون العرب.
– أهالي الطلبة عموماً، ولجان أولياء أمور الطلاب (وبطبيعة الحال اللجنة القطرية للجان أولياء الأمور) على وجه الخصوص.
– الطلبة عموماً، مجلس الطلبة (وبطبيعة الحال اتحادات الطلبة).
– السلطات المحلية العربية عموماً واقسام التربية والتعليم على وجه الخصوص.
– مؤسسات المجتمع المدني العربي (جمعيات وتنظيمات تربوية محلية وقطرية).
– المؤسسات التربوية وكليات واقسام اعداد المعلمين
لجنة متابعة التعليم العربي ودورها
هذه الاستراتيجية تتطلب إحداث نهضة حقيقية في عمل لجنة متابعة قضايا التعليم العربي وتوسيع نشاطها بشكل كبير ورفع مكانتها داخل مجتمعنا كجسم تمثيلي ومهني يقود العملية التربوية ونضال جماهيرنا في هذا المجال ويحظى بشرعية كبيرة. جسم متجدد ومهني قادر على بناء شراكات واسعة داخل مجتمعنا وخارجه. ربما يتطلب ذلك تغييرات جدية في دستور اللجنة وفي بنيتها.
استطاعت لجنة المتابعة الاستمرار في البقاء على مدار 34 عاما والقيام بنشاطات هائلة وتحقيق إنجازات هامة رغم شح الميزانيات (خصوصاً ان السلطات المحلية العربية لم تلب يوماً التزاماتها المالية تجاه اللجنة). لكن إحداث هذه النقلة النوعية في عمل اللجنة وتوسيع نشاطها وتلبية توقعات مجتمعنا منها يتطلب تجنيد موارد كبيرة. وأعتقد أنه علينا إحداث تحول حقيقي في تجنيد الموارد بحيث نستثمر طاقات أكبر في تجنيد تبرعات ودعم من داخل مجتمعنا وعدم الاعتماد بشكل كلي على صناديق خارجية. الى جانب ذلك من المهم تطوير العمل على تجنيد الأموال من صناديق أجنبية وطرح مشاريع جدية على هذه الصناديق.
العمل بمهنية وبشراكة مجتمعية واسعة
هذه الاستراتيجية هي النقيض لنفسية اليأس والتقنيط وتذويت القهر، وهي مشتقة من ايماننا بأنفسنا وبقدراتنا الذاتية وبعدالة مطالبنا وقوتنا على حشد التضامن والتأييد لهذه المطالب. فالخير في مجتمعنا كبير وما علينا الا ان ننطلق للعمل ثم العمل ثم العمل بمهنية وبشراكة مجتمعية واسعة.