بقلم: رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي شرف حسان
مقدمة
عملت لجنة متابعة قضايا التعليم، بالتنسيق والتعاون مع اللجنة القطرية للرؤساء وجمعيات مهنية وحقوقية، لتحصيل حقوق مجتمعنا وطلابنا في مجال التعليم. شاركت اللجنة في عشرات الجلسات مع طواقم مهنية لوزارات التعليم والمالية والمساواة الاجتماعية بهدف استخلاص العبر من الخطة "922" وطرح حقوق مجتمعنا وتصور اللجنة للنهوض بالتعليم العربي وبلورة الخطة الحالية للسنوات 2022-2026. قدمنا، وبشراكة مع اللجنة القطرية للرؤساء، ورقة متكاملة تطرح القضايا والحلول من وجهة نظرنا. كذلك، وعلى مدار السنين وبشكل خاص خلال فترة أزمة الكورونا وبعد تولي السيد حسان طوافرة عملة في سلطة التطوير الاقتصادي منذ حوالي العام، قدمنا استشارة مهنية لكل من توجه طالبًا معطيات أو سائلاً عن موقف، سواء من السلطات المحلية واللجنة القطرية والنواب العرب والجمعيات المهنية وباحثين وصحفيين، أو من قبل وزارات حكومية مختلفة أو مؤسسات بحثية واستشارية كلفت من قبلها.. كل هذا كان تطوعًا بهدف تحصيل حقوقنا وتطوير التعليم العربي. بطبيعة الحال، سنواصل جهودنا لنيل حقوقنا ومتابعة وضع خطط تفصيلية وتطبيقها ومعالجة المشاكل والقضايا والحقوق التي لم يتم التعامل معها لغاية الان.
ما أقِرّ حاليا هو القرار الحكومي العام وليس الخطة المفصلة من قبل وزارة التعليم. فالمفروض تقديم خطة مفصلة خلال ٤ اشهر. لذلك، سأتطرق هنا لنص القرار الذي كنت قد أطلعت على مسودات سابقة له وأبديت ملاحظات عليها. كذلك، من الضروري التأكيد على أن وضع التعليم يتأثر من جميع المجالات الاخرى ومن الوضع الاجتماعي الاقتصادي للعائلات وللطلاب. لذلك، فتطوير التعليم متعلق بشكل مباشر وغير مباشر بجميع المجالات الأخرى و وما يحدث فيها من تغيير. مع ذلك، سأتطرق في هذه المادة إلى بعض الملاحظات حول قسم مما جاء في فصل التربية والتعليم.
منذ نشر نتائج امتحان البيزا الأخير قبل حوالي 3 سنوات والذي أظهرت اتساع الفجوات في التحصيل (رغم زيادة الميزانيات)، رأينا في ذلك فرصة لطرح موقفنا بشأن الحاجة إلى تغيير جوهري في التعامل مع التعليم العربي. فبادرنا إلى جلسات مع مكاتب حكومية ومع أقسام مختلفة في وزارة التعليم وأثرنا الموضوع جماهيريًا وإعلاميًا ومن على كل منصة. والحقيقة أن بعض الأقسام المهنية في وزارات التعليم والمالية والمساواة الاجتماعية قد بادرت لدعوتنا في محاولة لفهم الأسباب العميقة للمشكلة، ولحالة العجز في إحداث تغيير في التحصيل في الامتحانات الدولية بالذات انه ميزانية التعليم قد زادت دون تغيير في النتائج بل أن الفجوة قد اتسعت.
ليست المباني والميزانيات فقط
لقد أكدنا أن أيّ حل جدي يجب أن يتطرق إلى عدة جوانب للقضية وأن القضية ليست فقط مباني وميزانيات وبنى تحتية، حيث هناك حاجة لرصد خطط وميزانيات كبيرة لسد الاحتياجات، وإنما أيضا معالجة قضية أهداف ومضامين ومناهج التعليم التي تتجاهل هوية واحتياجات مجتمعنا، ومعالجة موضوع مكانة التعليم العربي داخل وزارة التعليم ومَن يتخذ القرارات، ومسألة عدم وجود سكرتارية تربوية ومديرية للتعليم العربي ضمن التعليم الرسمي (مثل التعليم الديني الرسمي)، وموضوع التمثيل المناسب للعرب داخل أقسام وزارة التعليم المختلفة. هناك قضايا إضافية طرحت: تأهيل وتعيين المعلمين وتطوير أقسام التربية والشبيبة ووضع خطة خاصة بالنقب وفي السلطات المختلطة حيث يعيش أكثر من 10% من المجتمع العربي. لقد أكدنا أن الخروج من الأزمة يتطلب سد الفجوات وإجراء تغييرات بنيوية بهدف مواجهة مشكلة الاغتراب التي يعاني منها الطلاب والمعلمون. وشدّدنا على ضرورة دعم أبناء الطبقات الفقيرة والمسحوقة وإعطاء حلول مناسبة لهذه الشرائح وعلى أن الحل يبدأ بالاستثمار من جيل صغير وليس فقط في الثانوية، وأن الأهداف يجب أن لا تقتصر على معطيات التحصيل العلمي بل يجب وضع معايير لفحص الأمور بشكل أعمق، وبضمنها مدى معالجة موضوع التسرب الخفي ودعم الطلبة المهمشين، ومدى معالجة موضوع الفجوات التعليمية داخل مجتمعنا، ومدى بناء برامج ومناهج ملائمة وما إلى ذلك.
كذلك، طرحنا أن تطوير التعليم يتطلب تغييرًا جذريًا في تأهيل المعلمين وطرق التعيين وأن أساس التغيير يبدأ من وجود معلمين مثقفين وكفاءة عالية يشعرون بالانتماء والالتزام لمجتمعهم ويحملون رسالة سامية، كذلك أشرنا إلى الحاجة في بناء خطة لتشجيع التقاعد المبكر لقسم من المعلمين والمديرين والعاملين وإدخال معلمين جدد مؤهلين جيدًا.
في موضوع التعليم العالي، أكدنا على الحاجة لتوسيع دعم الطلاب ومساعدتهم وإعطاء حلول للطلبة الدارسين خارج البلاد ووضع خطة لزيادة عدد المحاضرين العرب، وزيادة عدد الطلاب العرب حسب نسبة الطلاب في شريحة الجيل في جميع الألقاب. كذلك طالبنا بوضع خطة لإقامة جامعة ومؤسسات تعليم بحثية بمستوى عالٍ في مدن وقرى عربية.
كان طرحنا العميق والمهني والمثابر مقنعا لأطراف معينة مهنية داخل وزارة التعليم ووزارات أخرى. مع ذلك، كان واضحا أن تغييرًا جذريًا في التعليم والانتقال من توجه "تعليم للعرب" وسياسة السيطرة والضبط، إلى تعليم عربي متطور له مكانته، لن يحدث دون تغيير جذري في سياسة الحكومة ككل تجاه العرب. كل شخص مهني يعي على سبيل المثال أن تجاهل مناهج التعليم لاحتياجاتنا وهويتنا وانتمائنا هو إشكالي، وأنه من غير المنطق أن يتعلم العرب عن الرواية الصهيونية وعن تاريخ الشعب اليهودي ولا يتعلموا عن أنفسهم! وكيف يؤدي هذا إلى حالة الاغتراب والعجز. تطرقنا الى قضايا تتطلب تغييرًا عميقاً في التوجه مثل أهمية اللغة العربية لنا وضرورة وضع برامج تتلاءم مع الاحتياجات والصعوبات الخاصة بتعليم العربية، وبشكل خاص في المراحل الابتدائية.
لقد أثبتت أحداث أيار الماضي وبروز موضوع هوية الشباب وموضوع معاناة الشباب من فئات مسحوقة، مرة أخرى، أن تجاهل وإخراج موضوع الهوية العربية الفلسطينية من المدارس والتركيز فقط على التحصيل العلمي لقسم من الطلاب وتجاهل احتياجات أبناء الطبقات الفقيرة، يجعل من المدارس بعيدة عن الطلاب وعن المجتمع العربي ويعمق حالة الاغتراب.
نرى في قسم من الصياغات المتعلقة بالخطة أن هناك تعبيرًا عن بعض الجوانب من رؤيتنا: تطرق لموضوع الهوية، اللغة العربية، البنى التحتية، معالجة موضوع التسرب الخفي - إلى جانب الظاهر/العلني/الرسمي - ودعم الطلبة أبناء الطبقات الفقيرة، دعم أقسام التربية والشبيبة، إزالة عوائق بنيوية الخ. لكن السؤال هنا، كيف سيترجم ذلك من ناحية عملية واية أهداف سيخدم: احتياجات مجتمعنا أم أهدافًا سلطوية عليا؟ لذلك من السابق لأوانه تقييم هذه الأمور ونحت بحاجة إلى أن نرى الخطط المفصلة وتطبيقها في الواقع.
أهمية السياق التاريخي
من أجل فهم ما يجرى اليوم، من الضروري وضع القرارات والسياسات في سياق تاريخي.
يمكن الاشارة إلى أنه منذ منتصف التسعينيات طرأ ارتفاع في الميزانيات للتعليم العربي. جاء قسم كبير من تحصيل حقوقنا في المجال بفضل نضالات جماهيرية وعمل مهني والتماسات للمحاكم. في السنوات الأخيرة فقط تم إضافة حوالي مليار شاقل جديد.
انضمام إسرائيل لمنظومة دول الـ OECD قبل حوالي عقد من الزمن خلق واقعًا جديدًا حيث أصبح جلب بعض التطوير الاقتصادي لمجتمعنا جزءًا من "المصلحة القومية" للدولة. جزء من هذا التطور متعلق بدعم التعليم وتقليص الفجوات في التحصيل. هذا خلق فرصًا وإمكانيات جديدة للضغط على الحكومة وللمرافعة المهنية في قضايا مختلفة. بطبيعة الحال، زاد هذا الدعم للتعليم العربي.
كان التوقع من هذه الخطة ان تعطي دفعة جدية نحو اغلاق الفجوات ومعالجة قضايا حارقة ومبدئية وبنوية اشرت اليها هنا والقيام بتغييرات عميقة واحداث قفزة نوعية. بقراءة أولية يمكن القول أن بعض التقدم قد حدث أو ممكن ان يحدث وهذا إيجابي، ولكن ذلك بعيد عن التغيير النوعي والبنيوي العميق.
قراءة وملاحظات أولية
1) قسم من مطالبنا وملاحظاتنا المبدئية تم أخذه بعين الاعتبار كما يدل نص القرار الذي بين أيدينا، ولكن معظم الأمور التي تتطلب تغييرًا جذريًا بنيويًا لم يتم التطرق لها أو أن قسمًا منها قد بقي مفتوحا ومتعلقًا بوزارة التعليم وبقرارات مستقبلية بشأن ميزانية الدولة. طبعا كل ميزانية جديدة تصب في تلبية احتياجات وخطط صحيحة نعتبره تقدمًا. لكن يجب أن نقيّم الأمر بموضوعية وبمهنية فالطريق ما زالت طويلة لإحقاق حقوقنا وسد الفجوات. قد تأتي الخطة بميزانيات جديدة ولكن ليس بما يتلاءم مع مطالبنا واحتياجاتنا وقد لا تكون قادرة على معالجة المشاكل الأساسية التي طرحناها.
2) تم تضخيم الميزانيات بواسطة إدخال بنود لميزانيات قائمة وهي ليست بميزانيات جديدة. مثلا في موضوع رصد ميزانيات على أساس تفاضلي للمدارس الابتدائية والاعدادية: سياسة توزيع ميزانيات حسب الوضع الاقتصادي اتبعت منذ حوالي 8 سنوات وهي ليست معدة للعرب فقط. ومن هنا السؤال: لماذا إدخالها ضمن ميزانيات الخطة الخمسية للعرب. فهي لم تأت بميزانيات جديدة باستثناء المرحلة الثانوية إذ تم توسيع الخطة التي بوشر فيها في العام 2018 (حيث اضيف 500 مليون شاقل حينها). اتباع سياسة توزيع ميزانيات على أساس تفاضلي كان من مطالبنا، خصوصًا أن نصف عائلاتنا فقيرة، وقد جاء بعد نضال طويل ولكنه لا يخص العرب فقط. هذه السياسة متبعة تجاه العرب واليهود منذ 2013 وجرى توسيع هذه السياسة منذ ذلك الوقت.
من المهم الإشارة إلى أننا خضنا نضالات قانونية لتوسيع هذه السياسية وتناول آخر التماس في الموضوع قضية القرى العربية في مجلس مسجاف حيث تم تغيير معايير توزيع الميزانيات وسيستفيد من ذلك أيضا العرب في مجالس مختلطة.
3) الأهداف التي وضعت في موضوع التحصيل في البجروت والبيزا للعام 2026 هي إشكالية وليست كافية إطلاقًا. عمليًا، وضعت أهداف سهلة لا تتطلب تغييرًا وجهدًا جديًا. نحن نرى الآن ارتفاعًا في التحصيل دون علاقة للخطة، وهذا لا يعكس بالضرورة تطورا نوعيا في التعليم وانما كان جزء منه او كله بأثر قرارات بيروقراطية وتسهيلات او تغييرات غير جدية. بهدف إغلاق الفجوات من المفروض أن توضع أهداف أكثر جدية تلزم الوزارة ببذل جهد جدي، وبالذات أننا نتحدث عن خطة لخمس سنوات. قدمنا ملاحظات على هذا البند ولكن لم يجرِ تغيير في الصياغة. مهم الإشارة إلى أن رفع التحصيل في مجتمعنا لا يؤدي بالضرورة إلى تقليص الفجوات فهناك ارتفاع مماثل يحدث عادة في المجتمع اليهودي.
4) موضوع بناء غرف صفوف ومدارس: هناك عوائق كثيرة تمنع بناء مدارس، وهي ليست متعلقة بالميزانيات وإنما بالعوائق المشتقة قضايا التخطيط والبناء ومن مشاكل عدم تخصيص أراض. لذلك يمكن التخطيط لتخصيص ميزانيات ولكن من الممكن ان لا تستغل هذه الأموال فعليًا. لذلك، إذا لم توضَع خطط لإزالة العوائق كما طالبنا وبسرعة وكما نصت الخطة بناء على مطلبنا وتخصيص أراضٍ فسيصعب استغلال هذه الميزانيات للبناء كما حدث مع خطة 922 في الكثير من البنود.
5) قضايا النقب: يحتاج إحداث تغيير جذري في التعليم العربي في النقب إلى قرار سياسي خصوصًا أن قسمًا جديًا من المشكلة متعلق بحقوق الطلاب والأطفال في قرى غير معترف بها. دون وجود قرار واضح بهذا الموضوع ستصعب معالجة مشاكل التعليم العربي في النقب.
6) المدن التاريخية والمختلطة: هناك معاناة مزدوجة يعاني منها أهالي المدن والسلطات المحلية التاريخية والمختلطة (من السياسة العامة ومن البلديات). لذلك طالبنا بوضع آليات خاصة لمعالجة القضايا الخاصة بالمدن المختلطة. إحداث تغيير جدي في هذا الموضوع بحاجة إلى قرار سياسي وتغييرات بنيوية وقانونية كي لا تبقى الأمور متعلقة بالبلديات وبالسياسة المحلية فقط.
7) إلى أين ستذهب الميزانيات في النهاية؟ هناك أمور ليست واضحة. مثلا هل سيتم تمويل حركات شبيبة إشكالية سياسيًا بالنسبة لجماهيرنا من ميزانيات هذه الخطة؟ هل ستصرف الميزانيات كما صرف جزء من ميزانيات التعليم اللامنهجي بشكل لا يخدم احتياجات وأولويات مجتمعنا؟ هل ستصل إلى الفئات الفقيرة في مجتمعنا؟ هل ستستثمر في بناء بنى تحتية تنظيمية دائمة؟ هل سيتم تدعيم وتطوير العمل المهني في السلطات المحلية والمدارس وبناء قدرات داخل مجتمعنا كما طالبنا أم أنها ستذهب الى أطراف خارجية؟
8 ) قسم من الميزانيات مشروط. السؤال هل سترصد وزارة التعليم ميزانيات من ميزانيتها الشاملة لتحصل على ميزانيات من وزارة المالية وهل ستتم إزالة العوائق؟ هذا متعلق بميزانية الدولة التي ستقر قريبًا وتلك التي ستقر في سنوات قادمة وبالواقع السياسي الذي سيكون وتعامل وزارات مختلفة مع القضايا والعوائق.
9) هناك صياغات عامة وقرارات بقيت متعلقة بخطط وزارة التعليم. مثلاً، هل بعد طرحنا لموضوع الهوية سيتم تأليف مناهج تعليم جديدة وجدية حسب رؤيتنا واحتياجاتنا؟ هل سيتم دعم وتطوير موارد تعليمية وكتب تدريسية جديدة بالعربية؟ ما هي التغييرات التي ستجري في مجال تعيين وتأهيل المعلمين؟ وأسئلة غيرها بقيت مفتوحة.
10) التعليم العالي: للأسف لم يتم التجاوب مع مطالبنا الجوهرية في مجال التعليم العالي وبالذات إقامة مؤسسات اكاديمية بحثية بمستوى عالٍ في بلداتنا ومدننا العربية (التي تخلو من أية جامعة أو كلية أكاديمية عامة) وكذلك قضايا دعم الطلاب الذين يضطرون للتعلم خارج البلاد واستيعاب قسم منهم في جامعات إسرائيلية.
في الختام، علينا أن نواصل النضال لتطوير التعليم العربي بالعمل في اتجاهين: العمل على تغيير السياسات لنيل الحقوق الكاملة (من فوق) والعمل على بناء قوة مجتمعنا من القاعدة (من تحت) لرفع الوعي وبناء القدرات داخل مجتمعنا وإحداث تغيير في السلطات المحلية وتعاملها مع قضايا التعليم وتطوير عملها المهني وتطوير المجتمع المدني (بما في ذلك لجان الأهالي وتأطير المعلمين والعاملين والناشطين في المجال التربوي)، وإحداث تغيير في وعي العاملين في التربية والتعليم وأخذ المسؤولية على المساحات المتعلقة بنا.